في مقاطعة غوانغدونغ الصاخبة، بين مدينتي شانتو وجييانغ، تقع مدينة تشنغهاي، المدينة التي أصبحت بصمت مركز صناعة الألعاب في الصين. تُعرف تشنغهاي بـ"عاصمة الألعاب في الصين"، وتروي قصة ريادة الأعمال والابتكار والتأثير العالمي. استطاعت هذه المدينة الصغيرة، التي يزيد عدد سكانها قليلاً عن 700 ألف نسمة، أن تحجز لنفسها مكانة مرموقة في عالم الألعاب، مساهمةً في السوق العالمية بتشكيلتها الواسعة من المنتجات التي تلبي احتياجات الأطفال حول العالم.
بدأت رحلة تشنغهاي نحو أن تصبح عاصمة الألعاب في ثمانينيات القرن الماضي، عندما فتحت المدينة أبوابها للإصلاح ورحبت بالاستثمار الأجنبي. أدرك رواد الأعمال الإمكانات الواعدة في صناعة الألعاب، فأنشأوا ورشًا ومصانع صغيرة، مستغلين رخص العمالة وتكاليف التصنيع لإنتاج ألعاب بأسعار معقولة. مهدت هذه المشاريع الأولية الطريق لما سيصبح لاحقًا قوة اقتصادية هائلة.


تُعدّ صناعة الألعاب في تشنغهاي اليوم مركزًا صناعيًا رائدًا، إذ تضم أكثر من 3000 شركة ألعاب، تشمل شركات محلية ودولية. وتتراوح هذه الشركات بين ورش عمل عائلية وشركات تصنيع ضخمة تُصدّر منتجاتها إلى جميع أنحاء العالم. ويستحوذ سوق الألعاب في المدينة على نسبة هائلة تبلغ 30% من إجمالي صادرات الألعاب في البلاد، مما يجعلها لاعبًا محوريًا على الساحة العالمية.
يُعزى نجاح صناعة الألعاب في تشنغهاي إلى عدة عوامل. أولها، ازدهار المدينة بفضل وفرة الأيدي العاملة الماهرة، حيث يمتلك العديد من السكان مهارات حرفية متوارثة جيلاً بعد جيل. تتيح هذه المواهب إنتاج ألعاب عالية الجودة تلبي أدق معايير الأسواق العالمية.
ثانيًا، لعبت حكومة تشنغهاي دورًا استباقيًا في دعم صناعة الألعاب. فمن خلال توفير سياسات تفضيلية وحوافز مالية وبنية تحتية متطورة، هيأت الحكومة المحلية بيئة خصبة لازدهار الأعمال. وقد جذب هذا الإطار الداعم المستثمرين المحليين والأجانب، مما جلب رؤوس أموال وتقنيات جديدة إلى هذا القطاع.
الابتكار هو عصب صناعة الألعاب في تشنغهاي. تبحث الشركات هنا باستمرار عن منتجات جديدة وتطوّرها لتلبية الأذواق والاتجاهات المتغيرة. وقد أدى هذا التركيز على الابتكار إلى ابتكار كل شيء، بدءًا من دمى الحركة التقليدية ووصولًا إلى الألعاب الإلكترونية عالية التقنية ومجموعات الألعاب التعليمية. كما واكب صانعو الألعاب في المدينة العصر الرقمي، بدمج التكنولوجيا الذكية في الألعاب لخلق تجارب لعب تفاعلية وجذابة للأطفال.
يُعدّ الالتزام بالجودة والسلامة حجر الزاوية في نجاح تشنغهاي. فمع الألعاب المخصصة للأطفال، يكتسب ضمان سلامة المنتج أهمية بالغة. يلتزم المصنعون المحليون بمعايير السلامة الدولية الصارمة، حيث حصل العديد منهم على شهادات مثل ISO وICTI. وقد ساهمت هذه الجهود في بناء ثقة المستهلك وتعزيز سمعة المدينة عالميًا.
ساهمت صناعة الألعاب في تشنغهاي بشكل كبير في الاقتصاد المحلي. ويُعدّ توفير فرص العمل أحد أبرز آثارها المباشرة، حيث يعمل آلاف السكان مباشرةً في صناعة الألعاب والخدمات المرتبطة بها. وقد حفّز نمو هذه الصناعة تطوير الصناعات الداعمة، مثل البلاستيك والتغليف، مما أدى إلى خلق بيئة اقتصادية متينة.
ومع ذلك، لم يأتِ نجاح تشنغهاي دون تحديات. فصناعة الألعاب العالمية تتسم بتنافسية شديدة، ويتطلب الحفاظ على مكانة رائدة تكيفًا وتطويرًا مستمرين. إضافةً إلى ذلك، ومع ارتفاع تكاليف العمالة في الصين، يزداد الضغط على المصنّعين لزيادة الأتمتة والكفاءة مع الحفاظ على الجودة والابتكار.
بالنظر إلى المستقبل، لا تُظهر صناعة الألعاب في تشنغهاي أي بوادر تباطؤ. بفضل أسسها الصناعية المتينة، وثقافتها الابتكارية، وكوادرها العاملة الماهرة، تتمتع المدينة بمكانة مرموقة لمواصلة مسيرتها كعاصمة للألعاب في الصين. وستضمن الجهود المبذولة للانتقال إلى ممارسات أكثر استدامة ودمج التقنيات الحديثة أن تظل ألعاب تشنغهاي محبوبة لدى الأطفال ومحترمة لدى الآباء حول العالم.
بينما يتطلع العالم نحو مستقبل اللعب، تقف تشنغهاي على أهبة الاستعداد لتقديم ألعاب مبتكرة وآمنة ومتطورة تُلهم الفرح والتعلم. ولمن يبحث عن لمحة عن قلب صناعة الألعاب الصينية، تُقدم تشنغهاي شهادةً نابضةً بالحياة على قوة المبادرة والابتكار والتفاني في سبيل التميز في صناعة ألعاب الغد.
وقت النشر: ١٣ يونيو ٢٠٢٤